"وقت مستقطع" من القتل أم فرصة للجم إسرائيل؟

سريان بنود صفقة تبادل الأسرى والرهائن بين إسرائيل و»حماس» يتمنى كثيرون أن يكون فرصة لتمديد وقف إطلاق النار الذي توجبه الصفقة. لم يكن ممكناً أن تتم العملية في ظل استمرار القصف الإسرائيلي المركز بمنطق الإبادة الجماعية الذي تعتمده إسرائيل منذ 7 تشرين الأول الماضي.

لو عاد الأمر إلى قيادة حكومة الدولة العبرية لكانت تخلت عن عملية التبادل وعن الصفقة التي سيجري تنفيذها، وعن الرهائن لدى «حماس»، لمصلحة خيار استمرار القتل الجماعي الانتقامي بلا هوادة، ضاربة بعرض الحائط تظاهرات أهالي الأسرى أمام مقر رئاسة الحكومة الإسرائيلية.

حاجة الإدارة الأميركية، ومعها الدول الغربية للإفراج عن مزدوجي الجنسية، ولتحقيق بعض الاستراحة pause بعدما أثارت مواصلة سحق المدنيين الفلسطينيين الرأي العام الأميركي والغربي، وغيرها من العوامل، لعبت دوراً في ثني تلك القيادة الإسرائيلية عن جموحها، ولو مؤقتاً. وقد يستفيد مجلس الحرب من الهدنة فقط من أجل تهدئة أهالي الأسرى الإسرائيليين.

لم يخفِ بنيامين نتانياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت وعضو مجلس الحرب وزير الدفاع السابق بني غانتس ذلك، في المؤتمر الصحافي الذي خصص للحديث عن الصفقة ليل الأربعاء. فهم أعلنوا بوضوح أنّ الحرب ستستمر، ما يعني أنّ الهدنة أشبه بـ»وقت مستقطع» من القتل العمد للفلسطينيين. ستستمر الحرب طبعاً تحت شعار القضاء على «حماس» وضرب بنيتها التحتية، العسكرية والتنظيمية، على رغم استحالة ذلك، وتهجير الفلسطينيين من غزة إلى سيناء.

كان من الطبيعي أن يُقرِن أعضاء مجلس الحرب اضطرارهم للتراجع عن الرفض الحاسم لوقف إطلاق النار، بعدما نجحت «حماس» في ربط الإفراج عن المحتجزين لديها به، بإعلان مواصلة الحرب، بعد هدنة التبادل، وأن يتبعهم في ذلك قادة الجيش أمس، للتغطية على تنازلات قدموها في الصفقة.

لا حرج لدى القيادة الإسرائيلية أن يظهر التناقض في مواقفها لأن الوقت الذي سيستغرقه استئناف القتال لاحقاً كفيل بمحو آثار التراجع أو المآخذ، طالما أنّ التصعيد العسكري المقبل سيملأ هذا الوقت. القيادة الإسرائيلية ضد وقف النار، لكنها تقبل به من أجل صفقة التبادل. وهي تنوي استمرار الحرب، لكنها توافق على تعليق القتال وفق صفقة التبادل. وتريد تدمير «حماس»، وتبرر رفضها وقف النار بأن الحركة ستستفيد منه للملمة قواتها والتأقلم مع الحرب، لكنها تعقد معها اتفاقاً على الأسرى وإدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة، وتوافق على تمديدها من أربعة إلى عشرة أيام إذا جرى تنفيذ الصفقة وفق المرسوم.

لكن هذا لا يلغي أنّ القادة العسكريين الإسرائيليين يريدون إقفال ملف الأسرى من أجل التفرغ لمواصلة الحرب ضد «حماس»، وكي لا يحرجهم المطلب الإنساني الملح. إلا أنّ القيادة العسكرية نفسها باتت تحتاج بدورها إلى إعادة تقييم توغلها في المناطق التي دخلتها في شمال غزة، بعد المقاومة التي لقيتها رغم خسائر غزة بالدمار والمجازر والقتلى المدنيين.

إذا كانت خطة إسرائيل لما بعد الهدنة الراهنة معروفة، وصولاً إلى الانتقال لدخول جنوب غزة، فهل من فرصة لفرض وقف النار من قبل المعسكر الآخر، العربي الإسلامي الذي يتحرك في العواصم الكبرى من أجل تحقيق هذا الهدف؟

خلال زيارة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إلى بيروت شدد على موقف طهران المعروف بعدم رغبتها في توسيع الحرب، وبوجوب السعي المتواصل من أجل نقل الهدنة إلى اتفاق على وقف النار، مشيراً إلى سعيها لهذا الهدف في اتصالاتها الدولية كافة. ومن التقوا الوزير الإيراني فهموا أنّ التحرك لهذا الهدف يشمل قنوات التواصل الخلفية والمعروفة بين طهران وواشنطن. وبإمكان الجانب الإيراني أن يعمل في هذا الاتجاه، الذي تطالب به «حماس»، خصوصاً أنّ نصرته مع حلفائه، لغزة، من اليمن وصولاً إلى جبهة لبنان انطوت على فعالية وتضحيات مهمة، آخرها استشهاد نجل رئيس كتلة نواب «حزب الله» النائب محمد رعد في بيت ياحون.

اللجنة الوزارية المنبثقة من قمة الرياض المشتركة لم تحصل على أي وعد من أي من الدول الأوروبية التي زارتها حتى الآن، بالسعي الجدي لوقف الحرب. فهي التزمت أمام حكومة إسرائيل منذ البداية بدعمها حتى تحقق هدفها. فهل تكتفي دول القمة المشتركة بما تقوم به حالياً أم أنها ستنقل ضغوطها إلى مستوى أكثر تأثيراً؟

المصدر: نداء الوطن